خلص بحثٌ أجرته MIT Sloan Management Review ومجموعة بوسطن الاستثمارية إلى أن قدرة الناس على تجاوز قرارات الذكاء الاصطناعي تزيد من احتمالية استخدامه
انتشرَ تشات جي بي تي في الآونة الأخيرة مثل النار في الهشيم، ولو توجهت إليه بسؤالٍ، فإن ردوده سريعة وفورية، إلا أنها في الغالب خاطئة. كأن تسأل خبيرًا اقتصاديًا؛ وبالحديث عن الأسئلة التي تثيرها مثل هذه التقنيات، تستدعي تلقي ردودًا مبدئية وغير قطعية، وهذا لا ينفي ضرورة طرحها، سواء لدى الناس، أو في أسواق العمل.
تتمثل إحدى المشكلات في سُبل التعامل مع مخاوف الموظفين بشأن الأمن الوظيفي. القلق أمر طبيعي. يعتبر الذكاء الاصطناعي الذي يُسهِّل عليك معالجة نفقاتك في مكان، والذكاء الاصطناعي الذي يفضل الناس الجلوس بجانبه في حفل عشاء في مكان مختلفٍ تماماً. يساعد الوضوح حول سُبل استفادة الموظفين من الوقت والطاقة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي على تعزيز قبولها في بيئة العمل، وكذلك لخلق شعورٍ بالإرادة: فقد خلص بحثٌ أجرته MIT Sloan Management Review ومجموعة بوسطن الاستثمارية إلى أن قدرة الناس على تجاوز قرارات الذكاء الاصطناعي تزيد من احتمالية استخدامه.
ليس واضحًا ما إذا كان الناس بحاجة حقًا إلى فهم ما يجري داخل الذكاء الاصطناعي. في الوضع الطبيعي، تتفوق القدرة على اتباع منطق الخوارزمية على عدم القدرة على اتباعها، إلا أن بحثًا أجراه أكاديميون في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة بوليتكنيك في ميلانو يشير إلى أن الإفراط في التفسير قد يؤدي إلى مشكلة.
مُنح الموظفون في شركة Tapestry، وهي مجموعة من العلامات التجارية الفاخرة، إمكانية الوصول إلى نموذج ذكاء اصطناعي للتنبؤ يساعدهم في تخصيص المخزون للمتاجر. استخدم بعض الموظفين نموذجًا كانوا قادرين على فهم طريق تحليله، واستخدم البعض الآخر نموذجًا لم تكن لديهم معلومات حول آلية عمله وتحليل الطريقة التي وصل فيها إلى الاختيارات التي وصل إليها. أسود. اتضح أن العمال كانوا أكثر ميلًا لتجاهل قرارات النموذج الذي يمكنهم فهم طريقة تحليله، واتبعوا حدسهم عوضا عن تنبؤات البرنامج، وعلى النقيض من هذا، كان العمال أكثر استعدادًا لقبول لقرارات النموذج الذي لم يتمكنوا من فهمهِ، وذلك لثقتهم في خبرة الأشخاص الذين بنوا البرنامج نفسه. تبين أنه مؤهلات مطوري الذكاء الاصطناعي تصنع فرقًا.
يعتبر مجال استجابة البشر لبعضهم البعض واستجابتهم للخوارزميات مجالا مزدهرًا للأبحاث، وقد نظرت غيزم يالسين من جامعة تكساس في أوستن ومؤلفين آخرين في ورقة بحثية حول ما إذا كان المستهلكون يستجيبون بشكل مختلف للقرارات: للموافقة على إعطاء قرض لأحدهم على سبيل المثال أو لمنحه عضوية النادي الريفي، في حال وصلتهم الردود من آلة أو من شخص. وصلت الدراسة إلى ردة فعل الناس تكون نفسها عند رفض طلباتهم للحصول على قرض مثلًا، إلا أنهم شعروا أقل حرارةً تجاه الشركات التي تقبل طلباتهم باستخدام خوارزمية بدلًا من إنسان. السبب؟ يجيد الناس تفسير القرارات السلبية، بغض النظر عمن يتخذها. ويصعب عليهم أن ينسبوا نجاح طلباتهم إلى ذواتهم عند تقييمها من الآلة. يريد الناس أن يشعروا بأنهم مميزون، لا أن يكونوا مجرد بيانات مُسجلة.
وفي ورقة بحثية قادمة، يبحث آرثر جاغو من جامعة واشنطن وجلين كارول من كلية ستانفورد للدراسات العليا في إدارة الأعمال في مدى استعداد الأشخاص لمنح الفضل بدلاً من اكتسابه لعمل لم يقم به شخص ما وحده. أظهروا للمتطوعين أعمالًا منسوبة إلى شخص معين، عملًا فنيًا على سبيل المثال، أو خطة عمل، ثم كشفوا للمتطوعين أن بعض الأعمال التي رأوها كان قد أنشئت بمساعدة من خوارزمية وبعضها الآخر بمساعدة بشر آخرين. أعطى الجميع قدرًا أقل من المصداقية للمنتجين عندما قيل لهم إنهم تلقوا المساعدة، لكن هذا التأثير كان أكثر وضوحًا بالنسبة للعمل الذي يتضمن مساعدين بشريين. لم يكتف المشاركون برؤية مهمة الإشراف على الخوارزمية على أنها أكثر تطلبًا من الإشراف على البشر، لكنهم لم يشعروا أنه من العدل أن يأخذ شخص ما الفضل في عمل الآخرين.
ويدرس بحث آخر لأنوج كابور ومؤلفون آخرون، من المعهد الهندي للإدارة في أحمد أباد، ما إذا كان الذكاء الاصطناعي أو البشر أكثر فاعلية في مساعدة الناس على إنقاص الوزن. نظر المؤلفون إلى فقدان الوزن الذي حققه المشتركون في تطبيق هندي للهواتف المحمولة، واستخدم بعضهم فقط مدربًا للذكاء الاصطناعي وبعضهم استخدم مدربًا بشريًا أيضًا. ووجدوا أن الأشخاص الذين استخدموا مدربًا بشريًا فقدوا وزنًا أكبر، ووضعوا لأنفسهم أهدافًا أكثر صرامة، وكانوا أكثر دقة في تسجيل أنشطتهم، إلا أنهم وجدوا أن الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة جسم أعلى لا يتعاملون مع المدرب البشري بشكل جيد مثل أولئك الذين وزنهم أقل. يتكهن المؤلفون بأن الأشخاص الأثقل وزنًا قد يكونون أكثر إحراجًا من أن يتفاعلوا مع شخص آخر.
الصورة المُتشكلة أمامنا الآن عن الذكاء الاصطناعي غير واضحة، إلا أنها ديناميكية: فكما تتطور التقنيات، تتطور معها مواقف الناس منها. أمر واحد واضح تمامًا: سيعتمد تأثير تشات جي بي تي وغيرها من برامج الذكاء الاصطناعي على طريقة تأثيرها على مشاعر الناس حيالها إلى جانب ما بإمكانها تنفيذه.
عرب 48